عقدت وزارة التراث والسياحة العُمانية حلقة عمل بعنوان «آفاق قطاع السياحة في سلطنة عُمان»، في فندق كمبينسكي، تناولت رؤية عُمان 2040 والأسواق السياحية المستهدفة والفرص المستقبلية للقطاع، في إطار فعاليات «مرحباً عُمان» للسوق الأوروبي تشمل دول الشمال (الدنمارك، السويد، النرويج، فنلندا) وجمهورية روسيا الاتحادية وبيلاروسيا، التي تنظمها الوزارة خلال الفترة من 11 إلى 18 نوفمبر 2025م ضمن خطط الترويج السياحي للعام نفسه.
تهدف الفعالية إلى استضافة نحو 70 شركة سياحية بارزة من تلك الأسواق لتعزيز التواصل بين شركاء القطاع المحلي والدولي والترويج للمنتجات والتجارب السياحية والفنادق العُمانية، مع تسجّل نسب نمو من يناير حتى سبتمبر 2025 مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024 بنسبة 123% للسوق الروسي، و199% للسوق البيلاروسي، و34% للدنمارك، و31% لفنلندا، و11% للسويد، و17% للنرويج، ما يبشّر بمزيد من النمو. كما تشكّل الفعالية منصة لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة ومقدّمي الخدمات المحلية لعرض منتجاتهم، وتشمل جولات لمواقع في محافظات مسندم، الداخلية، الشرقية، مسقط، وظُفار، بالإضافة إلى ورش عمل وتدريباً ولقاءات ثنائية بين الشركات السياحية العُمانية ونظيراتها من تلك الأسواق، على أن تبدأ غداً في فندق ماندارين تلك اللقاءات الثنائية.
السياحة في عُمان ضمن رؤية 2040: خلفية سياحية واقتصادية
تقف سلطنة عُمان اليوم عند مفترق طريق استراتيجي في مسارها السياحي والاقتصادي، بعد أن أطلقت رؤية عُمان 2040 التي ترمي إلى تنويع الاقتصاد والعلاقات الدولية والارتقاء بقطاع الخدمات، إلى جانب السياحة باعتبارها ركيزة محورية.
منذ الإعلان عن هذه الرؤية، كثّفت الحكومة العُمانية جهودها لتعزيز البنية التحتية السياحية، وتوسيع الأسواق المصدّرة للسياح، واتخاذ سياسات مفتوحة للتأشيرات وتعزيز التجارب السياحية ذات القيمة العالية. (Middle East Briefing)
يندرج هذا النشاط ضمن استراتيجيات أوسع ليستهدف رفع مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي، والتنمية الاقتصادية الشاملة، مع خلق فرص تشغيل وتنمية للمناطق الداخلية والساحلية العُمانية.
تفاصيل الحلقة والعمل الجانبي: من الأسواق إلى المشاركة المحلية
الحلقة التي نظّمها الوزير أو الجهة المعنيّة في الوزارة ركّزت على استعراض نموّ الأسـواق التي تمّ استهدافها بشدة، ولا سيّما السوق الروسي والبيلاروسي، إضافة إلى دول الشمال الأوروبي. وقد أُعلن أن نمو إدخالات السياح إلى عُمان من تلك الأسواق في الأشهر التسعة الأولى من 2025 مقارنة بنفس الفترة من 2024 بلغ: 123% للسوق الروسي، و199% للبيلاروسي، و34% للدنماركي، و31% للفنلندي، و11% للسويدي، و17% للنرويجي.
يعدّ هذا النمو مؤشّراً مهمّاً على النجاح المبكر لحملات الترويج التي تقودها الوزارة، لا سيما أن معظم هذه الدول لم تكن ضمن المحركات التقليدية للسياحة العُمانية.
وخلال فعاليات «مرحباً عُمان» سيتم استضافة حوالى 70 شركة سياحية من هذه الدول، ما يوفر منصة فعليّة للترويج المباشر وتجربة المنتجات المحلية والتواصل مع مقدّمي الخدمات الفندقية والعطلات والمسارات السياحية. في موازاة ذلك، تتضمّن الفعالية جولات ميدانية لمواقع سياحية في مختلف محافظات السلطنة (مسندم، الداخلية، الشرقية، مسقط، ظُفار)، وورشاً تدريبية للشركات المحلية ولقاءات عمل ثنائية بين الشركات العُمانية ونظيراتها من الخارج.
هذا المنهج – الذي يربط بين الترويج الخارجي وإشراك القطاع المحلي – يُعدّ من الممارسات الفعالة في تنمية الوجهة السياحية وضمان استفادة المجتمعات المحلية وشركات الخدمة الصغيرة والمتوسطة.
تحليل: لماذا تبدو عُمان الخيار الأوروبي الشمالي والروسي؟
يبدو اختيار دول الشمال (الدنمارك، السويد، النرويج، فنلندا) مع روسيا وبيلاروسيا مرغوباً لعدة أسباب: أولاً، هذه الأسواق تشهد طلباً متزايداً على الوجهات الشمسية – الثقافية – الطبيعية خارج الوجهات التقليدية. ثانياً، إيرادات السياح من هذه الأسواق غالباً أعلى من المتوسط، مما يتماشى مع استراتيجية القيمة العالية التي تتبنّتها عُمان ضمن رؤية 2040. ثالثاً، من الناحية الجغرافية والعروض السياحية، تحظى عُمان بمقوّمات فريدة (سواحل، جبال، وديان، تراث ثقافي) تجعلها جذّابة للمسافرين الأوروبيين والروس الباحثين عن الجديد والمميز.
وقد تبنّت الوزارة تسويقاً مستهدفاً لتلك الأسواق، ضمن خطة أوسع لتعزيز تنوّع المصدرين وتخفيف الاعتماد على أسواق الخليج التقليدية. هذه الاستراتيجية تُعد حاسمة في تعميق الاستدامة السياحية والتوزيع الجغرافي للنمو.
الربط بالتطورات العالمية والمقارنة الإقليمية
من منظور السياحة العالمية، تتّجه الأسواق نحو التنويع والتجارب المتخصصة (سياحة المغامرة، الطبيعة، التراث، الصداقة الثقافية)، وقد كانت عُمان في موقع جيد للاستفادة من هذا التحوّل. وفقاً لمجلة Middle East Briefing، فقد ارتفع عدد الزوار في عُمان من 2.9 مليون في 2022 إلى نحو 4 ملايين في 2023، وقد ساهمت السياحة بـ5.51 مليار دولار تقريباً في عام 2024. (Middle East Briefing)
وعلى مستوى الشرق الأوسط، تُصنّف عُمان من الدول الأسرع نمواً في القطاع السياحي. (ويكيبيديا)
من الناحية الإقليمية، تشكّل السياسات العُمانية الخاصة بتسهيل التأشيرات (خاصة للعمالقة الجديدة من أوروبا وروسيا) عاملاً مساهماً في النموّ. على سبيل المثال، اتفاقية الإعفاء من التأشيرة بين عُمان وروسيا ستسهّل الحركة السياحية بين البلدين.
وبهذا، فإن الجهد التسويقي الجاري في «مرحباً عُمان» يتلاءم مع التوجّهات العالمية لتعزيز السياحة المستدامة والقيمة العالية، مع ضمان توزيع النموّ الجغرافي داخل البلد وتعزيز إشراك القطاع المحلي.
فرص الشركات الصغيرة والمتوسطة والمحتوى المحلي
أحد المكونات البارزة في الحلقة أن الوزارة جعلت التركيز ليس فقط على الشركات الكبيرة والفنادق والمنتجعات، بل أيضاً على تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة ومقدّمي الخدمات المحليين والعروض الحرفية والهوية الثقافية العُمانية. هذا الأمر مهم لأنّه يضيف بعداً استدامياً للسياحة ويخلق قيمة مضافة محلياً.
على سبيل المثال، الجولات التي ستتوجه إلى محافظات مثل مسندم وظُفار تسمح بتسليط الضوء على تجارب سياحية أقل شهرة، مغامرات طبيعية، تراث، منتجعات بيئية، ما يفتح آفاقاً لنوعيات سفر جديدة بعيداً عن الزحام التقليدي.
وبما أن الفعاليات تتضمّن ورش عمل وتدريباً، فإن ذلك يعزّز قدرات الشركات المحلية في تقديم المنتج السياحي الدولي والمنافسة في الأسواق الجديدة، ما يشكّل إضافة مهمة للتنمية الاقتصادية المحلية.
التحديات والاعتبارات المستقبلية
على الرغم من المؤشرات الإيجابية، ثمة عدّة اعتبارات مهمة: أولاً، النموّ السريع يؤدي إلى ضغط على البنية التحتية والفنادق في بعض المناطق إذا لم يُخطط بشكل دقيق. ثانياً، جذب سياح من أسواق بعيدة يتطلّب توفير تأشيرات ملائمة، شبكات نقل جيدة، وتجربة سياحية متميّزة. وهو ما تعمل عليه السلطنة في مسارات البنية التحتية ضمن رؤية 2040.
ثالثاً، تعزيز إشراك المجتمعات المحلية وضمان أن يستفيد السكان المحليون من هذا النمو أمر أساسي للحفاظ على جاذبية الوجهة واستدامتها.
رابعاً، التنويع التسويقي ضروري — بما يشمل ليس فقط أوروبا ودول الشمال، بل كذلك أسواق آسيا والرّحابة والثقافة، وهو ما تبنّته الحكومة العُمانية في استراتيجياتها.
إضافة إلى ذلك، يجب توخي توازن في نموّ الوجهة بحيث لا تؤثر الزحمة أو التأثيرات البيئية سلباً على تجارب الزوار أو الهوية العُمانية.
لماذا «مرحباً عُمان» خطوة في الاتجاه الصحيح
تنظيم فعالية موجهة للأسواق الأوروبية الشمالية والروسية والبيلاروسية بهذا الحجم يُعدّ إشارة واضحة على أن عُمان تسير بخطى حثيثة نحو زيادة قدراتها التسويقية الدولية والارتقاء بمنتجها السياحي. استضافة ما يقارب 70 شركة سياحية من تلك الأسواق تعكس رغبة في بناء شراكات مباشرة، وتقليل الحاجز بين العرض العُماني والطلب الخارجي.
كما أن الجولات الميدانية في المحافظات وورش العمل تسهم في بناء سياحة متنوعة وجدتّاً، لا تقتصر على الشواطئ والفنادق فقط، بل تشمل الطبيعة، التراث، التجارب الحرفية، ما يزيد من قيمة الوجهة ويطيل مدة الإقامة والإنفاق السياحي.
ومن المنظور الاقتصادي، إن تحقيق نسب نمو بلغت 123% و199% في بعض الأسواق خلال الأشهر الأولى من 2025 يشير إلى فعالية التحوّل في الأداء وزيادة فرص النمو المستقبلي.




