شهد قطاع السياحة في هانوي انتعاشاً لافتاً وغير مسبوق في عام 2025، حيث أعلنت إدارة السياحة في العاصمة الفيتنامية أن المدينة استقبلت خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من العام نحو 30.94 مليون زائر، محققة بذلك أرقاماً قياسية جديدة في تاريخها. ووصلت الإيرادات إلى نحو 120.6 تريليون دونج فيتنامي، ما يعكس طفرة حقيقية في النشاط السياحي.(Vietnam+ (VietnamPlus))
قفزة تاريخية في أرقام السياحة
يربي هذا الأداء على ما قبل جائحة كورونا، إذ تجاوزت هانوي رسمياً الرقم القياسي المسجّل عام 2019، حين بلغ عدد الزوار 29 مليون زائر.
وفق بيانات رسمية، وصل عدد الزوار الدوليين خلال الأشهر الإحدى عشرة الأولى من 2025 إلى نحو 7.09 مليون زائر، بينما شكّل الزوار المحليون الجزء الأكبر من الإجمالي بـ 23.84 مليون زائر.
وفي نوفمبر وحده، استقبلت هانوي 2.5 مليون زائر — بزيادة 14.7 بالمئة مقارنة بنفس الشهر من العام 2024. من بين هؤلاء، 851,100 زائر دولي، بارتفاع قدره 25 بالمئة.
وقد رافق هذا الزخم ارتفاع في الإيرادات الشهرية لتبلغ 11.36 تريليون دونج في نوفمبر، بزيادة 18.4 بالمئة.
استجابة البنية التحتية والإقامة للطلب المتزايد
شهدت البنية الفندقية في هانوي توسعاً ملحوظاً لاستيعاب هذا التدفق غير المسبوق من الزوار. اليوم، تضم المدينة حوالي 3,761 منشأة إقامة تُوفر أكثر من 71,000 غرفة، تشمل فنادق وشقق خدمية مصنّفة من فئة نجمة إلى خمس نجوم.
ومع ارتفاع عدد الزوار، ارتفع معدل إشغال الغرف الفندقية إلى 73.4 بالمئة في نوفمبر، بزيادة 6.3 نقطة مئوية عن العام السابق، ما يعكس تحسناً ملموساً في أداء القطاع الفندقي.
هذا التحسّن يعزز قدرة المدينة على استقبال أعداد كبيرة من السياح مع ضمان مستوى لائق من الخدمة والإقامة.
تنوع المنتجات السياحية: من الثقافة إلى الطبيعة
لا يقتصر الفضل في هذا التجاوز على الأعداد وحدها، بل يعود إلى التطوير الجاد لمنتجات سياحية متنوعة ومبتكرة لجذب شرائح مختلفة من الزوار. من أبرز هذه المنتجات ثقافيّاً جاء Hanoi Tourism Ao Dai Festival 2025، الذي أقيم في مطلع نوفمبر في متحف هانوي ومحيط بحيرة هوان كيِم، واحتفى بالزي الفيتنامي التقليدي “آو داي” من خلال عروض أزياء، ورش حرفية، عروض موسيقية وتقليدية، ومسيرات في قلب العاصمة.
كما عادت الحياة إلى مهرجان Hanoi Autumn Festival 2025 وشملت عروضاً فنية وثقافية وحرفية ومأكولات محلية، ما ساعد في تسليط الضوء على هوية هانوي الثقافية والتراثية.
من جهة أخرى، ركزت السلطات على إطلاق تجارب سياحية جديدة مثل الجولات الليلية في المعابد والمتاحف، جولة “نغوك سون – الليلة الغامضة” في معبد مشهور، فضلاً عن برامج سياحة ريفية وزراعية، وسياحة مجتمعية في أرياف وضواحي العاصمة.
كما تم الترويج لمناطق طبيعية وضواحي تشهد موسماً جميلاً من الزهور، مثل منطقة با في وغيرها من ضواحي هانوي، ما شكل خياراً محبّذاً لمحبي الطبيعة والهدوء.
استراتيجية طويلة الأمد: التطوير والمنافسة على الساحة الدولية
إن ما يلوح وراء هذه الأرقام القياسية لا يقتصر على الانتعاش المؤقت، بل على استراتيجية واضحة ومستدامة لتطوير السياحة في هانوي. إذ تعمل إدارة السياحة على مشاريع كبيرة، من بينها إصلاح نموذج إدارة مواقع تراثية مثل Huong Son (Perfume Pagoda) الأثري، وتحويلها إلى وجهات مستدامة تستقبل سياحاً مهتمين بالثقافة والتراث.
كذلك، تُركز العاصمة على تنويع الأسواق المصدّرة للسياحة وليس الاقتصار على الأسواق التقليدية، مع فتح خطوط جوية دولية مباشرة وتوسيع حملات الترويج في دول أوروبية وأسواق جديدة، في محاولة لجذب زوار من خارج آسيا.
كما ينظر إلى السياحة الريفية، المجتمعية، الزراعية، وسياحة التجارب الثقافية – كعوامل تمييز في منافسة الأسواق العالمية، خصوصاً في خضم الطلب المتزايد من فئات الباحثة عن تجارب أصيلة ومختلفة عن الشواطئ والشهر.
هذا التوجه يعكس وعي السلطات الفيتنامية بأهمية ترسيخ صورة هانوي كوجهة سياحية متكاملة — تجمع بين التاريخ والثقافة، بين التجديد والهوية — وليس فقط مدينة عبور أو محطة سهلة عند السياح.
دلالة اقتصادية واستثمارية لما وصلت إليه هانوي
الرقم 120.6 تريليون دونج في الإيرادات السياحية خلال 2025 — رغم أنه يعكس الإقبال العالي — يحمل كذلك دلالة واضحة على الأثر الاقتصادي للسياحة في هانوي. فهذا الحجم من النشاط يدعم آلاف الوظائف في الفنادق، النقل، التموين، الحرف، الجولات، والخدمات المرتبطة بها.
علاوة على ذلك، الخطط الحالية لتوسيع البنية التحتية الفندقية، وتحسين إدارة المواقع التراثية، والتركيز على تجارب سياحية متنوّعة، تشجّع الاستثمارات المحلية والدولية في القطاع الفندقي والترفيهي والخدمي. بحسب تقرير صادر عن سوق الضيافة في فيتنام، هناك مئات المشاريع الفندقية المخططة أو قيد التنفيذ حتى عام 2028، مع تركيز على الفئات متوسطة إلى راقية من الفنادق، ما يعكس ثقة المستثمرين في مستقبل السياحة الفيتنامية.
كما أن إعادة إحياء الفعاليات الثقافية والتراثية — مثل مهرجان Ao Dai — يعزز من مكانة هانوي على خريطة السياحة العالمية كمدينة تجمع بين الحداثة والتراث، ما قد يفتح الباب أمام تعاونات في مجالات الثقافة، الفنون، الحرف اليدوية، والتبادل السياحي الدولي.
هانوي في خريطة السياحة العالمية: من مدينة وطنية إلى قطب آسيوي
بعد تراجع عالمي للسياحة خلال جائحة كورونا، بات هانوي نموذجاً للتعافي السريع والقوي، وربما تكون من أسرع العواصم الآسيوية تعافياً إذا ما استمر هذا الأداء. وفقاً لمصادر محلية، فإن الطلب السياحي لم يأتِ فقط من الأسواق التقليدية، بل امتد إلى أسواق جديدة في أوروبا وشمال آسيا، الأمر الذي يعزز من فرص هانوي على الساحة الدولية.
كما أن الفعاليات الثقافية والحرفية والمهرجانات أصبحت بُعداً مكمّلاً للسياحة، ولا تقتصر على الترفيه وإنما تمثل جسراً لتعريف الزوار بهوية فيتنام وتراثها العريق.
إذا استمر هذا الزخم، فقد لا يقتصر إنجاز 2025 على أرقام قياسية فحسب، بل قد يضع هانوي كواحدة من أكثر العواصم ديناميكية في آسيا من حيث التطور السياحي والتنوّع الثقافي والاقتصادي.




