موسم “شتاء المدينة” حراك ثقافي وسياحي يعيد اكتشاف المدينة المنورة


تشهد المدينة المنورة خلال الفترة الحالية نشاطًا ثقافيًا وسياحيًا واسعًا ضمن موسم “شتاء المدينة”، الذي يمتد لعدة أشهر مقدّمًا مزيجًا متنوعًا من الفعاليات والبرامج المناسبة لجميع أفراد العائلة. ويبرز الموسم هوية المدينة العريقة من خلال الجمع بين أصالة تاريخها وروح الترفيه الحديث، مع إتاحة الفرصة للزوار لاكتشاف جوانب جديدة من جمال المدينة ومعالمها الممتدة داخلها وخارجها.

يحضر الأطفال والعائلات بقوة ضمن برنامج الموسم، من خلال مجموعة من الأنشطة التعليمية والتفاعلية. تشمل الفعاليات يوم الطفل العالمي في 20 نوفمبر، وبرنامج “خلف الكواليس” الممتد من 9 أكتوبر حتى 5 مارس، لتقديم تجارب فنية تفاعلية تساعد الأطفال على دخول عالم الإبداع. كما يتواصل برنامج القراءة التفاعلية من 9 أكتوبر حتى 29 يناير، وبرنامج “رف الحكايات” بين 25 نوفمبر و18 ديسمبر لتنمية الخيال والارتباط بالكتاب.

ويوفر الموسم كذلك برنامج “مفاتيح رمضان” المستمر حتى 5 مارس، وهو تجربة تربوية لتعريف الأطفال بقيم الشهر الفضيل. ولا يغيب الجانب الرياضي والتراثي، حيث تقدَّم فعالية “فرسان الوصية” بين 1 أكتوبر و28 فبراير لدعم مهارات اليافعين في الفروسية والرماية ضمن إطار يجمع المتعة وصقل القدرات.

يقدّم الموسم سلسلة من الفعاليات الثقافية التي تسلّط الضوء على المكانة العلمية والتاريخية للمدينة المنورة. من أبرز هذه الفعاليات “طيبة والعالم.. جسر من نور” الممتدة حتى 15 يناير، والتي تستعرض ارتباط المدينة بالعالم عبر محتوى بصري تفاعلي.

ويستضيف الموسم المؤتمر الدولي للغة العربية والعلوم التطبيقية “تمكين وتكامل” يومي 9 و10 نوفمبر، بمشاركة نخبة من المتخصصين والخبراء، في حدث يعزز دور المدينة كمركز معرفي ووجهة للتواصل الحضاري. وتشمل الأنشطة كذلك فعالية “تجربة السيرة: الرحلة إلى قباء” التي تعرّف الزوار بمسارات السيرة النبوية ومعالمها، إضافة إلى معارض فنية وبيوت تراثية ضمن مسارات الثقافة في خريطة الموسم.

يبرز الموسم بعدد من الوجهات السياحية المتاحة طوال اليوم، مثل ممشى الشتاء الذي يستقبل زواره من الخامسة مساءً حتى الثانية صباحًا، في أجواء تجمع بين الجلسات الخارجية والمطاعم والمتاجر. كما تستمر واحة ميلاف في استقبال الزوار طوال اليوم، مقدّمة منطقة ضيافة وترفيه متكاملة للعائلات.

وتعكس وجهتا “مقصد قباء” و “وسط المدينة” الهوية العمرانية والتجارية، عبر أسواق حديثة بطابع تراثي. فيما ينطلق “المقصد الشتوي” ابتداءً من 15 نوفمبر حتى الثالثة صباحًا، وتقدّم فعالية “سمرة” الممتدة حتى 1 مايو تجربة ليلية تعبّر عن دفء الضيافة وروح المدينة.

يحظى عشاق الطبيعة بفرصة خوض تجارب ميدانية فريدة، من أبرزها فعالية “هايك البراكين” في 20 نوفمبر، التي تُعرّف المشاركين على التضاريس البركانية المحيطة بالمدينة، وهي مناطق وثّقها مركز المسح الجيولوجي السعودي كأحد أبرز التكوينات الطبيعية في المنطقة. كما تستمر جولة العلا حتى 10 فبراير، للتعرّف على واحدة من أهم الوجهات التاريخية في السعودية، وهو موقع مُدرج ضمن قائمة اليونسكو.

وتقدّم جولة استكشاف حرة المدينة المنورة المستمرة حتى 30 مايو تجربة معرفية حول تكوينات الحرة البركانية، إلى جانب تجارب جبل أحد و درب الغزوات التي تسلّط الضوء على مواقع تاريخية ارتبطت ببدر وأحد.

في سياق تعزيز الاقتصاد المحلي، ينطلق سوق العيون في 25 نوفمبر من الخامسة مساءً حتى الواحدة صباحًا، مقدّمًا منتجات محلية وحرفًا يدوية ضمن أجواء مفتوحة تسهم في دعم الأسر المنتجة. كما يوفّر بستان المستظل، الممتد منذ 1 أكتوبر، مساحة طبيعية للجلسات العائلية والتنزه بين النخيل.

يشكّل موسم “شتاء المدينة” انعكاسًا مباشرًا للنمو السياحي الذي تشهده المدينة المنورة في السنوات الأخيرة، خاصة بعد التوسع في مشاريع البنية التحتية السياحية وبرامج تجربة الزائر. ووفقًا لبيانات وزارة السياحة السعودية، فقد شهدت المدينة ارتفاعًا في أعداد الزوار المحليين والدوليين خلال مواسم الشتاء، مع توسع واضح في الأنشطة الثقافية والترفيهية.

ويأتي هذا التطور في سياق التحولات التي يشهدها القطاع السياحي السعودي ضمن رؤية السعودية 2030، التي تستهدف رفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة الطاقة الاستيعابية للمدن الرئيسية، وتعزيز الأنشطة الثقافية والتراثية.

تُعد المدينة المنورة إحدى أهم المدن التاريخية في العالم الإسلامي، وقد اكتسبت مكانتها عبر قرون طويلة باعتبارها مركزًا للعلم والدعوة واستقبال الزوار من مختلف أنحاء العالم. وتشير تقارير منظمة السياحة العالمية إلى أن المدينة تُعد من أكثر المدن استقبالًا للزوار الدينيين سنويًا، مع تزايد الاهتمام بتطوير السياحة الثقافية والتراثية فيها.

كما شهدت المنطقة خلال السنوات الماضية توسعًا عمرانيًا ملحوظًا، بما في ذلك مشاريع تطوير وسط المدينة، والمسارات التراثية، والمناطق المفتوحة التي أصبحت جزءًا من جاذبية الموسم الحالي.

يقدّم موسم “شتاء المدينة” نموذجًا لنجاح المواسم السياحية في السعودية، حيث يجمع بين التنوع الثقافي والاقتصادي والترفيهي، ويعزّز مكانة المدينة كوجهة شتوية جذابة. ويمنح الزوار تجربة متكاملة تشمل الترفيه والتعليم والثقافة والطبيعة، وهو ما يتماشى مع الاتجاه العالمي نحو تطوير سياحة التجارب، كما ورد في تقارير مجلة فوربس ومنظمة السياحة العالمية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى