يتربّع مطلّ الحَرّة على قمّة حَرّة عويرِض، وهو جبل بركاني خامد في محافظة العُلا، ويشرف بارتفاعه على مساحات واسعة من الصخور الداكنة التي تميّز هذه المنطقة التاريخية. ويُعدّ الموقع واحداً من أبرز نقاط المشاهدة الطبيعية في العُلا، إذ يكشف للزائر تنوّع تضاريسها واتساع ملامحها، ويقدّم إطلالات بانورامية تمتد بلا حدود على البيوت القديمة والحديثة والواحات الخضراء والتكوينات الصخرية والأخاديد الصحراوية. ويتميّز المطلّ أيضاً بجلساته المرتّبة وخدماته المتنوعة، إضافة إلى مطعم يقدّم خيارات مختلفة في أجواء هادئة تجعل تجربة المشاهدة أكثر اكتمالاً. ومع اقتراب الغروب، تتدرّج ألوان الطبيعة بشكل لافت، فتبدو العُلا في أوضح صورها قبل أن يكتمل المشهد بلون الأفق الدافئ، مما يجعل المطلّ إحدى الوجهات المهمّة التي تؤكّد مكانة العُلا بوصفها وجهة طبيعية وثقافية مفتوحة أمام الزوّار من داخل المملكة وخارجها.
جغرافيا العُلا وتاريخ المكان
تقع محافظة العُلا في شمال غرب المملكة العربية السعودية، وتُعدّ من أقدم المناطق المأهولة في شبه الجزيرة العربية، إذ تشير الدراسات الأثرية، وفقاً لهيئة التراث السعودية، إلى وجود حضارات استوطنت المنطقة منذ آلاف السنين، أبرزها حضارة دادان ولحيان ثم الأنباط. هذا العمق التاريخي جعل العُلا منطقة ذات قيمة سياحية وعلمية كبيرة، فهي تجمع بين آثار عريقة وبيئة طبيعية فريدة تتشكّل من جبال رملية وتكوينات صخرية نادرة وواحات خصبة تحيط بها الأراضي الصحراوية.
حَرّة عويرِض التي يقع عليها المطلّ تُعدّ واحدة من أهم التكوينات البركانية في المنطقة، وتمتد على مساحة كبيرة من الصخور السوداء التي نتجت عن تدفّقات بركانية قديمة. وبحسب البيانات الجيولوجية المنشورة على موقع «هيئة المساحة الجيولوجية السعودية»، تُعتبر الحَرّات جزءاً من سلسلة واسعة تنتشر في غرب المملكة، وتمنح المناطق المحيطة بها طابعاً جغرافياً فريداً يجذب الباحثين والزوار على حدّ سواء.
مطلّ الحَرّة كوجهة سياحية متنامية
أصبح مطلّ الحَرّة خلال السنوات الأخيرة من أبرز محطات الزيارة في محافظة العُلا، خصوصاً بعد التحولات السياحية التي تشهدها المنطقة في إطار برامج التطوير التي تقودها «الهيئة الملكية لمحافظة العُلا». ويشير موقع الهيئة إلى أن رؤية التطوير تهدف إلى الحفاظ على التراث الطبيعي والإنساني للعُلا، مع تقديم تجارب سياحية تجمع بين الاستدامة والجودة العالية، وهو ما ينعكس بوضوح في الخدمات والتهيئة العامة لمواقع المشاهدة، بما فيها مطلّ الحَرّة.
يستقطب المطلّ فئات واسعة من الزوّار، من محبّي الطبيعة إلى المصوّرين والباحثين عن أماكن هادئة للتأمل في المشهد الطبيعي. وتُظهر البيانات العالمية في قطاع السياحة الطبيعية، وفقاً لتقرير «منظمة السياحة العالمية»، أن الطلب على الوجهات المفتوحة والمتناغمة مع البيئة آخذ في الارتفاع، خصوصاً بعد ازدياد اهتمام المسافرين بالتجارب التي تعتمد على الهواء الطلق والمشاهد الطبيعية الواسعة. وهذا الاتجاه ينسجم تماماً مع ما تقدّمه العُلا، حيث تُعدّ المطلات الطبيعية جزءاً أساسياً من التجربة السياحية.
تنوّع المشاهد وتكامل التجربة
يتميّز مطلّ الحَرّة بقدرته على تقديم مشاهد متعدّدة في ذات اللحظة. فالمنازل القديمة بعمارتها التقليدية تظهر جنباً إلى جنب مع الأحياء الحديثة، بينما تتوزّع الواحات الخضراء في أسفل الوادي، وتحيط بها تكوينات صخرية ضخمة تشكّل جزءاً من المشهد الجيولوجي الفريد للعُلا. هذا التنوّع يجعل المطلّ بمثابة نافذة بصرية تكشف أبعاد العُلا كافة، وتقدّم صورة شاملة للمنطقة دون الحاجة للتنقل بين مواقع متعددة.
ويُظهر الموقع قيمة إضافية عند اقتراب الغروب، حين تتفاعل الشمس مع طبيعة الصخور والواحات والجبال المحيطة، فيتدرّج اللون من الأصفر إلى البرتقالي فالأحمر، وهي لحظة توصف دائماً بأنها من أجمل ما يمكن للزائر أن يشاهده في العُلا. ووفقاً لمجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، فإن مناطق الغروب ذات التضاريس الجبلية المتدرجة تُعدّ من أجمل البيئات لتصوير الطبيعة، والعُلا من الأمثلة البارزة على ذلك.
العُلا في سياق السياحة العالمية
تشير بيانات «البنك الدولي» إلى أن السياحة الثقافية والطبيعية باتت من أسرع القطاعات نمواً على مستوى العالم، مع ازدياد رغبة المسافرين في الوجهات التي تجمع بين التاريخ والبيئة. والعُلا تندرج تماماً ضمن هذه الفئة، إذ تستقطب الزوار ممن يبحثون عن تجارب تجمع بين التراث العريق والطبيعة المفتوحة، وهو ما يعزّز مكانتها على خريطة السياحة الإقليمية والعالمية.
وقد ساهمت المبادرات الحكومية في دعم هذه المكانة؛ فبحسب «برنامج جودة الحياة» التابع لرؤية السعودية عشرين ثلاثين، تُعدّ السياحة ركيزة أساسية لتحسين جودة الحياة ورفع مساهمة القطاع في الاقتصاد الوطني. وتظهر نتائج هذه الجهود في ارتفاع عدد الفعاليات والأنشطة التي تستضيفها العُلا سنوياً، مثل المهرجانات الثقافية والفنية والرياضية، والتي تزيد من حضورها على الساحة الدولية.
أهمية التطوير السياحي في المنطقة
يمثّل مطلّ الحَرّة نموذجاً لمشاريع التطوير السياحي التي تعتمد على الحفاظ على البيئة الطبيعية دون الإضرار بها، إذ تم تجهيز الموقع بطريقة تحافظ على الطابع البركاني والجيولوجي للحَرّة، مع توفير المسارات الآمنة ومناطق الجلوس دون تغيير ملامح الطبيعة الأصلية. وتشير دراسات السياحة البيئية، وفقاً لموقع «يورونيوز»، إلى أن هذا النوع من التطوير يُعدّ من أكثر الأساليب استدامة، لأنه يضمن استمرارية المكان ويحافظ على قيمته للأجيال القادمة.
هذا التوازن بين التطوير والحفاظ على البيئة يضع العُلا في موقع متقدّم ضمن الوجهات التي تعتمد على السياحة المستدامة، والتي باتت محط اهتمام كبير من المؤسسات الدولية، مثل «منظمة اليونسكو» و«برنامج الأمم المتحدة للبيئة».




